مقدمة: الأسس البيولوجية والاقتصادية لإدارة الخيول التناسلية
تُمثل إدارة الخيول التناسلية (Equine Reproduction Management) واحداً من أكثر الفروع تعقيداً وحساسية في الطب البيطري وصناعة الخيل العالمية. إن الرحلة الطويلة التي تبدأ بالتلقيح الناجح لا تنتهي بمجرد الولادة، بل تمتد لتشمل فطام مهر سليم البنية ومستقر نفسياً. هذه العملية ليست مجرد سلسلة أحداث بيولوجية تلقائية، بل هي مسار محفوف بالتحديات الفسيولوجية والبيئية التي تتطلب تدخلاً إدارياً دقيقاً ومستنيراً في رعاية الفرس الحامل لضمان أفضل النتائج.
تُشير الأدبيات العلمية الحديثة إلى أن “البرمجة الجنينية” (Fetal Programming) تلعب دوراً محورياً في تحديد المستقبل الرياضي والصحي للحصان، حيث تؤثر التغذية والبيئة الرحمية والرعاية المحيطة بالولادة بشكل مباشر على جودة العظام، وكفاءة الجهاز المناعي، وحتى الاستقرار السلوكي للمهر لسنوات طويلة بعد الفطام.
في سياق الإنتاج الحيواني المتخصص، تُعد الفرس الحامل (Broodmare) “وحدة إنتاج بيولوجية” عالية القيمة، حيث يمثل الثلث الأخير من الحمل وفترة ما بعد الولادة (Peripartum Period) النافذة الزمنية الأكثر حرجاً في بروتوكولات رعاية الفرس الحامل الحديثة. خلال هذه الفترة، تتسارع وتيرة النمو الجنيني بشكل أسي، وتحدث تغيرات هرمونية ومناعية جذرية تحضيراً لعملية الولادة والرضاعة. أي خلل في الإدارة الغذائية أو الوقائية خلال هذه المرحلة قد يؤدي إلى عواقب وخيمة تتراوح بين الإجهاض المتأخر، ولادة أمهار ضعيفة المناعة (Compromised Neonates)، أو تعرض الفرس لمضاعفات مهددة للحياة مثل احتباس المشيمة والتهاب الصفيحة الحساسة.
يقدم هذا المقال البحثي تحليلاً استقصائياً شاملاً للممارسات القياسية والمتقدمة في رعاية الفرس الحامل والمهر، مستنداً إلى أحدث التوصيات الصادرة عن الجمعية الأمريكية لممارسي الخيول (AAEP) والمجلس القومي للبحوث (NRC). يهدف المقال إلى تزويد المختصين والمربين بمرجع دقيق يغطي كافة الجوانب الفنية، بدءاً من التعديلات الغذائية الدقيقة في أواخر الحمل، مروراً ببروتوكولات التحصين الصارمة، وآليات التنبؤ بالولادة، وصولاً إلى إدارة الطوارئ التوليدية واستراتيجيات الفطام الآمن.
الفصل الأول: الإدارة الفسيولوجية والغذائية في الثلث الأخير من الحمل
تُعتبر الأشهر الثلاثة الأخيرة من الحمل (من الشهر التاسع حتى الشهر الحادي عشر) مرحلة انتقالية حرجة في فسيولوجيا الفرس، وهي جوهر عملية رعاية الفرس الحامل الناجحة. تشير البيانات البحثية إلى أن الجنين يكتسب ما يقرب من 75% من وزنه النهائي خلال هذه الفترة الوجيزة، مما يفرض ضغوطاً هائلة على الأم وتحديات أيضية (Metabolic Demands) كبيرة. هذا النمو المتسارع لا يتطلب فقط زيادة في السعرات الحرارية، بل يستلزم إعادة هيكلة كاملة للنظام الغذائي لتلبية الاحتياجات النوعية لبناء الأنسجة والعظام.
1. الديناميكيات الغذائية: التحول من الإدامة إلى البناء الجنيني
في المراحل المبكرة من الحمل (الأشهر 1-8)، تكون متطلبات الفرس الغذائية قريبة نسبياً من متطلبات خيول الإدامة (Maintenance)، حيث يكون نمو الجنين بطيئاً. ومع ذلك، بحلول الشهر الخامس، يوصي المجلس القومي للبحوث (NRC) ببدء تعديلات تدريجية، تتسارع وتيرتها بشكل حاد في الثلث الأخير لضمان استمرار رعاية الفرس الحامل بشكل سليم.
أ. متطلبات البروتين والطاقة: الأرقام والدلالات
يُعد البروتين العنصر البنائي الأساسي للأنسجة الجنينية والمشيمة. تظهر الجداول الغذائية ارتفاعاً ملحوظاً في الحاجة اليومية للبروتين الخام (Crude Protein) كجزء أساسي من رعاية الفرس الحامل:
- في فترات الإدامة أو بداية الحمل تحتاج الفرس إلى حوالي 630 جراماً من البروتين يومياً.
- يرتفع هذا الرقم إلى 759 جراماً في الشهر الثامن.
- يواصل الصعود ليصل إلى 893 جراماً يومياً بحلول الشهر الحادي عشر.
هذا الارتفاع الكمي يجب أن يواكبه اهتمام بالنوعية، وتحديداً بالأحماض الأمينية الأساسية مثل اللايسين والميثيونين، الضرورية لتخليق البروتين الجنيني. النقص في البروتين خلال هذه المرحلة لا يؤثر فقط على وزن المهر عند الولادة، بل قد يمتد تأثيره ليضعف جودة اللبأ (Colostrum) وإنتاج الحليب لاحقاً، مما يهدد المناعة السلبية للمهر.
بالتوازي مع البروتين، ترتفع متطلبات الطاقة المهضومة (Digestible Energy – DE). تشير البيانات إلى ارتفاع الاحتياج من 16.7 ميجا كالوري/يوم في بداية الحمل إلى حوالي 21.4 ميجا كالوري/يوم في الشهر الحادي عشر. ومع ذلك، يجب الحذر الشديد من الإفراط في تزويد الطاقة لتجنب السمنة، التي ترتبط بمشاكل عسر الولادة (Dystocia) والاضطرابات الأيضية.
ب. المعادن النادرة ودورها في تطور الهيكل العظمي
تكتسب تغذية المعادن أهمية قصوى في الثلث الأخير من خطة رعاية الفرس الحامل، حيث يقوم الجنين بتخزين احتياطيات من المعادن النادرة (Trace Minerals) في كبده لاستخدامها في الأشهر الأولى من حياته، نظراً لفقر حليب الأم الطبيعي بهذه العناصر.
- النحاس والزنك (Copper & Zinc): تلعب هذه العناصر دوراً حاسماً في تكوين الغضاريف والعظام. النقص في النحاس تحديداً تم ربطه بزيادة معدلات أمراض العظام التطورية (Developmental Orthopedic Diseases – DOD) لدى الأمهار. لذا، يُنصح باستخدام مكملات غذائية متوازنة (Balancer Pellets) تضمن نسباً صحيحة من هذه المعادن.
- الكالسيوم والفوسفور: تزداد الحاجة إليهما بشكل كبير لضمان تكلس الهيكل العظمي للجنين دون استنزاف مخزون العظام لدى الأم.
- اليود (Iodine): يمثل سيفاً ذو حدين؛ حيث أن الجنين الخيلي حساس للغاية لمستويات اليود. النقص أو الزيادة (التي قد تأتي من مكملات عشب البحر Kelp) يمكن أن تؤدي إلى تضخم الغدة الدرقية (Goiter) لدى المهر، مما قد يسبب مشاكل تنفسية وضعفاً عاماً عند الولادة.
ج. إدارة حالة الجسم (Body Condition Score – BCS)
يُعد تقييم حالة الجسم أداة إدارية حيوية في رعاية الفرس الحامل. الهدف هو الحفاظ على الفرس في درجة تتراوح بين 5 و 6 (على مقياس من 1 إلى 9).
- الفرس النحيفة (BCS < 5): تفتقر لاحتياطيات الدهون اللازمة لدعم الرضاعة، مما قد يؤدي إلى استهلاك أنسجتها العضلية، وضعف إنتاج الحليب، وتأخر في العودة للشبق (Rebreeding) بعد الولادة.
- الفرس السمينة (BCS > 7-8): تواجه مخاطر أعلى للإصابة بمقاومة الأنسولين، وقد تعاني من تراكم الدهون في قناة الولادة مما يصعب عملية خروج الجنين، فضلاً عن الإجهاد الحراري والقلبي أثناء المخاض.
الفصل الثاني: البروتوكول المناعي واستراتيجيات التحصين المتقدمة
لا يهدف تحصين الفرس الحامل إلى حمايتها فحسب، بل يُعد الوسيلة الوحيدة لتوفير الحماية المناعية للمهر الوليد خلال أشهره الأولى. يولد المهر بجهاز مناعي غير ناضج وبدون غلوبيولينات مناعية (Agammaglobulinemic) لأن المشيمة الخيلية لا تسمح بمرور الأجسام المضادة. وبالتالي، يعتمد المهر كلياً على “اللبأ” (Colostrum) لاكتساب المناعة السلبية، مما يجعل بروتوكول التحصين جزءاً لا يتجزأ من رعاية الفرس الحامل.
أ. الوقاية من الإجهاض الفيروسي (EHV-1)
يُعد فيروس الهربس الخيلي النوع الأول (EHV-1) المسبب الرئيسي للإجهاض الفيروسي (Rhinopneumonitis Abortions)، والذي غالباً ما يحدث في الثلث الأخير من الحمل ويكون مفاجئاً وبدون مقدمات. للسيطرة على هذا الخطر، توصي الجمعية الأمريكية لممارسي الخيول (AAEP) ببروتوكول صارم ضمن خطوات رعاية الفرس الحامل:
- الجدول الزمني: يجب تحصين الفرس في بداية الأشهر الخامس، والسابع، والتاسع من الحمل.
- نوع اللقاح: يجب استخدام لقاحات مقتولة (Inactivated/Killed Vaccines) مرخصة خصيصاً للحماية من الإجهاض (مثل Pneumabort-K® أو Prestige® Prodigy®). اللقاحات المخصصة للأمراض التنفسية فقط قد لا توفر حماية كافية للجنين ضد العواصف الإجهاضية.
- الأمن الحيوي: بالإضافة للقاح، يجب عزل الأفراس الحوامل عن الخيول المتنقلة (مثل خيول العروض والسباق) والخيول الجديدة، لتقليل خطر التعرض لسلالات فيروسية نشطة.
ب. تعزيز المناعة السلبية قبل الولادة (Pre-foaling Boosters)
لضمان احتواء اللبأ على أقصى تركيز ممكن من الأجسام المضادة، يجب إعطاء الفرس جرعات معززة من اللقاحات الأساسية قبل موعد الولادة المتوقع بـ 4 إلى 6 أسابيع. يشمل هذا البروتوكول في رعاية الفرس الحامل ما يلي:
- الكزاز (Tetanus): ضروري جداً لحماية الفرس من تلوث الجهاز التناسلي أثناء الولادة، وحماية المهر من الكزاز الوليدي عبر السرة.
- فيروس الروتا (Rotavirus): يُعطى في سلسلة من ثلاث جرعات (الشهر 8، 9، 10) في المزارع التي تعاني من مشاكل إسهال فيروسي في المواليد. هذا اللقاح يقلل بشكل كبير من شدة المرض ونسبة الوفيات في الأمهار.
- الأمراض المستوطنة: مثل إنفلونزا الخيول، التهاب الدماغ والنخاع الشوكي (EEE/WEE)، وفيروس غرب النيل (WNV).
- داء الكلب (Rabies): يُنصح به سنوياً، ويمكن جدولته قبل الولادة لزيادة الأجسام المضادة المنقولة للمهر.
الفصل الثالث: الاستعداد اللوجستي والبيولوجي للولادة
مع اقتراب نهاية فترة الحمل (التي تتراوح طبيعياً بين 320 و360 يوماً، بمتوسط 335-340 يوماً)، يصبح التنبؤ الدقيق بموعد الولادة وتجهيز البيئة عاملين حاسمين في تقليل معدلات وفيات المواليد، وهو جانب أساسي من رعاية الفرس الحامل. معظم الولادات تحدث ليلاً بين الساعة 9 مساءً و 8 صباحاً، مما يزيد من أهمية المراقبة.
1. مؤشرات التنبؤ بالولادة: بين العلامات السريرية والكيمياء الحيوية
تُظهر الفرس سلسلة من التغيرات الفسيولوجية التي تنبئ بقرب المخاض، لكن دقتها تتفاوت بشكل كبير بين الأفراد.
أ. العلامات الجسدية (Physical Signs)
- تطور الضرع (Udder Development): يبدأ الامتلاء والانتفاخ قبل 2-6 أسابيع من الولادة، لكنه قد يتأخر في الأفراس البكر (Maiden Mares).
- ارتخاء الأربطة: يحدث تليين واضح في عضلات الكفل (Croup) وحول قاعدة الذيل، مما يعطي مظهراً “هابطاً” للردف، ويصاحبه استطالة وارتخاء في الفرج قبل 7-19 يوماً.
- التشميع (Waxing): ظهور قطرات صفراء لزجة (لبأ جاف) على رؤوس الحلمات. يُعد علامة قوية، حيث تلد حوالي 70-95% من الأفراس خلال 24-48 ساعة من ظهور التشميع. ومع ذلك، قد تلد بعض الأفراس دون تشميع، أو تشمع قبل أسبوعين.
ب. اختبارات كيمياء الحليب (Milk Chemistry Testing)
نظراً لعدم موثوقية العلامات البصرية وحدها، يلجأ الطب البيطري الحديث لتحليل إفرازات الضرع للتنبؤ الدقيق لتعزيز جودة رعاية الفرس الحامل. يعتمد هذا على التغيرات الأيونية في الحليب قبل الولادة.
- اختبار كربونات الكالسيوم (Calcium Carbonate Test): يرتفع تركيز الكالسيوم في الحليب بشكل حاد قبل الولادة. باستخدام أطقم اختبار مثل (FoalWatch™) أو شرائط عسر الماء، عندما يتجاوز التركيز 200 جزء في المليون (ppm)، فإن احتمالية الولادة خلال 24 ساعة تصل إلى 98%.
- اختبار الأس الهيدروجيني (pH): يميل حليب الفرس للانخفاض في درجة الحموضة (يصبح أكثر حامضية) مع اقتراب الولادة.
2. تجهيز بيئة الولادة وصندوق الطوارئ
يجب نقل الفرس إلى مكان الولادة (Stall) قبل الموعد المتوقع بأسابيع لتكوين أجسام مضادة ضد بكتيريا البيئة الجديدة. يجب أن يكون المكان واسعاً (على الأقل 4×4 متر)، مفروشاً بقش نظيف (يُفضل القش على النشارة لتجنب استنشاق الغبار أو التصاقه بالمهر الرطب)، وجيد الإضاءة والتهوية.
محتويات صندوق الولادة (Foaling Kit Inventory)
يجب أن يكون الصندوق جاهزاً ومعقماً، ويحتوي على الأدوات التالية لضمان الاستجابة السريعة لأي طارئ، وهو جزء لا يتجزأ من رعاية الفرس الحامل:
| الفئة | العنصر | الغرض والاستخدام |
| النظافة والتعقيم | صابون سائل لطيف (مثل Ivory) | غسل منطقة العجان والضرع للفرس قبل الولادة |
| محلول كلورهيكسيدين (Nolvasan) مخفف | تعقيم الحبل السري للمهر (بنسبة 1:4) | |
| مناشف نظيفة وكبيرة | تجفيف المهر وتحفيز تنفسه | |
| قفازات فحص طويلة ومعقمة | للتدخل التوليدي أو فحص وضعية الجنين | |
| كيس قمامة بلاستيكي سميك | لحفظ المشيمة بعد نزولها لفحصها من قبل الطبيب | |
| الأدوات الطبية | مقصات غير حادة (Mayo Scissors) | لفتح “الكيس الأحمر” في حالات الطوارئ أو قطع الحبل السري |
| مشبك سري (Umbilical Clamp) | لإيقاف نزيف الحبل السري في حال قطعه بشكل غير طبيعي | |
| حقنة شرجية (Enema) | فوسفات الصوديوم أو ماء وصابون لعلاج انحشار العقي | |
| ميزان حرارة رقمي | مراقبة حرارة الفرس والمهر | |
| الدعم اللوجستي | مصباح يدوي ببطاريات إضافية | لأن معظم الولادات ليلية وقد تنقطع الكهرباء |
| ساعة توقيت | لتسجيل أوقات مراحل الولادة بدقة (قاعدة 1-2-3) | |
| رقم الطبيب البيطري | مكتوباً بوضوح للطوارئ | |
| شاحن هاتف | لضمان التواصل المستمر |
الفصل الرابع: ديناميكيات المخاض والولادة (Parturition)
تتميز عملية الولادة عند الخيول بأنها “انفجارية” وسريعة للغاية مقارنة بالمجترات أو البشر. هذه السرعة تعني أن هامش الخطأ ضيق جداً، وأي تأخير يستوجب تدخلاً فورياً، مما يجعل المعرفة العميقة بالمراحل جزءاً من رعاية الفرس الحامل الاحترافية.
المرحلة الأولى: التموضع والتحضير (Stage 1: Preparation & Positioning)
تبدأ هذه المرحلة بتقلصات رحمية غير مرئية تهدف لتدوير الجنين وتوسيع عنق الرحم.
- السلوك: تظهر الفرس علامات قلق (Restlessness)، تعرق خاصة خلف المرفقين والخاصرة، رفع الذيل، التبول المتكرر، والنظر إلى البطن (علامات تشبه المغص الخفيف).
- الفسيولوجيا: يكون الجنين في وضعية “على ظهره” (Dorsal Recumbency) معظم فترة الحمل. خلال هذه المرحلة، يقوم الجنين بالدوران ليصبح في وضعية “على بطنه” (Ventral Recumbency) مع تمديد الرأس والأرجل الأمامية باتجاه قناة الولادة.
- المدة: تستغرق عادة من 1 إلى 4 ساعات.
- النهاية: تنتهي هذه المرحلة بتمزق الغشاء السلوي الخارجي (Chorioallantois) ونزول سائل كثيف (ماء الرأس)، مما يشير لبدء المرحلة الثانية.
المرحلة الثانية: طرد الجنين (Stage 2: Expulsion of the Foetus)
هذه هي المرحلة الحاسمة التي يخرج فيها المهر إلى العالم.
- المدة: سريعة جداً، تتراوح عادة بين 15 و 30 دقيقة.
- المشهد الطبيعي: يجب أن يظهر كيس أبيض مزرق شفاف (Amnion) يحتوي على قدمين أماميتين (نعل الحافر متجه للأسفل)، يتبعهما الأنف مستنداً على الساقين، ثم الرأس والكتفين.
- التدخل: بمجرد خروج الكتفين، يخرج باقي الجسم بسهولة. غالباً ما تبقى الفرس مستلقية لعدة دقائق بعد خروج المهر، وهو أمر صحي يسمح بضخ ما يصل إلى 30% من دم المشيمة إلى المهر عبر الحبل السري قبل انقطاعه.
المرحلة الثالثة: طرد المشيمة (Stage 3: Placenta Expulsion)
تلي ولادة المهر خروج الأغشية الجنينية.
- المدة: تحدث عادة خلال ساعة واحدة، ويجب أن تكتمل خلال 3 ساعات كحد أقصى.
- الإجراء: بمجرد خروج المشيمة، يجب وضعها في الكيس المخصص وحفظها في مكان بارد ليفحصها الطبيب البيطري للتأكد من اكتمالها (وجود “حرف F” كامل يشكل قرني الرحم) وعدم وجود تمزقات تشير لبقاء أجزاء داخل الرحم.
طب الطوارئ التوليدية (Obstetrical Emergencies)
نظراً لسرعة الولادة عند الخيول، فإن أي انحراف عن المسار الطبيعي يتطلب استجابة فورية وحاسمة ضمن خطة رعاية الفرس الحامل. المعرفة المسبقة بهذه الحالات قد تكون الفاصل بين حياة وموت المهر.
1. الولادة بـ “الكيس الأحمر” (Red Bag Delivery)
تُعرف طبياً بالانفصال المبكر للمشيمة (Premature Placental Separation). وهي حالة طوارئ قصوى.
- الآلية المرضية: في الوضع الطبيعي، يتمزق الكيس السلوي الخارجي (المشيمة) عند عنق الرحم ليسمح بمرور الكيس الأمنيوسي الأبيض. في حالة “الكيس الأحمر”، تنفصل المشيمة كاملة عن جدار الرحم وتخرج كتلة واحدة مع الجنين. وبما أن المشيمة هي مصدر الأكسجين للجنين، فإن انفصالها يعني انقطاع الأكسجين عنه فوراً وهو لا يزال داخل القناة.
- الأسباب المحتملة: التهاب المشيمة (Placentitis)، الإجهاد، أو التسمم بعشبة الفيسكيو (Fescue Toxicity) التي تسبب سماكة المشيمة.
- العلامات: ظهور كيس أحمر مخملي كثيف عند فتحة الحيا بدلاً من الكيس الأبيض الشفاف.
- الإجراء الفوري: لا يوجد وقت لانتظار الطبيب. يجب على المربي شق الكيس الأحمر فوراً (بالمقص أو بالأصابع) وإخراج المهر يدوياً بأقصى سرعة ممكنة لتمكينه من التنفس، وإلا سيعاني من نقص الأكسجين (Hypoxia) أو الموت.
2. احتباس المشيمة (Retained Placenta)
تعتبر المشيمة محتبسة إذا لم تنزل خلال 3 ساعات من الولادة.
- المخاطر: تعتبر الخيول حساسة جداً لبقاء الأنسجة الميتة في الرحم. التحلل السريع للمشيمة يؤدي إلى نمو بكتيري هائل، مما يسبب تسمم الدم (Endotoxemia). السموم البكتيرية تطلق شلالاً من التفاعلات الالتهابية التي تؤدي غالباً إلى التهاب الصفيحة الحساسة (Laminitis/Founder)، وهو مرض مؤلم جداً وقد يكون مميتاً للفرس.
- العلاج: يُمنع منعاً باتاً سحب المشيمة بالقوة، لأن ذلك قد يسبب نزيفاً أو تمزقاً وبقاء أجزاء صغيرة تسبب عدوى مزمنة. يتضمن العلاج الطبي حقن الأوكسيتوسين (Oxytocin) بجرعات مدروسة لتحفيز التقلصات، وغسيل الرحم (Uterine Lavage) لإزالة البقايا والسموم، وتغطية بالمضادات الحيوية ومضادات الالتهاب. بعض البروتوكولات المتقدمة تشمل “تقنية بيرنز” (Burns Technique) لملء المشيمة بالماء للمساعدة في فصلها.
3. عسر الولادة (Dystocia)
أي وضعية غير طبيعية (مثل ظهور قدم واحدة، أو باطن الحافر للأعلى، أو عدم ظهور الرأس) تتطلب تدخلاً بيطرياً فورياً. القاعدة الذهبية: إذا لم يتقدم الجنين خلال 10-20 دقيقة من الدفع القوي، فهناك مشكلة.
الفصل الخامس: طب المواليد والبروتوكول الذهبي (قاعدة 1-2-3)
بعد خروج المهر بسلام، تبدأ مرحلة التقييم الحيوي. يعتمد الأطباء البيطريون والمربون المحترفون في رعاية الفرس الحامل ومهرها على “قاعدة 1-2-3” كمعيار عالمي لتقييم الصحة وتحديد الحاجة للتدخل.
1. الساعة الأولى: الوقوف (Standing)
يجب أن يقف المهر على قدميه بشكل مستقل خلال ساعة واحدة من الولادة.
- الأهمية: الوقوف ضروري لتمدد الرئتين بالكامل، وتحريك الدورة الدموية، والوصول للضرع. المهر الذي يفشل في الوقوف خلال ساعتين قد يعاني من مشاكل عصبية (متلازمة المهر الغبي – Dummy Foal) أو مشاكل عضلية هيكلية أو ضعف عام.
2. الساعة الثانية: الرضاعة (Nursing)
يجب أن يبدأ المهر بالرضاعة الفعالة (Sucking Reflex) والبلع خلال ساعتين.
- الفسيولوجيا: يولد المهر بمخزون طاقة (جليكوجين) منخفض جداً في الكبد. التأخر في الرضاعة يعرضه لخطر هبوط السكر في الدم (Hypoglycemia) بسرعة، مما يجعله أضعف من أن يرضع لاحقاً، ويدخله في حلقة مفرغة من الضعف والبرودة.
- التدخل: إذا لم يرضع المهر، يجب حلب الفرس وإرضاع المهر بالزجاجة (دون إجبار لتجنب الاستنشاق الرئوي) واستدعاء الطبيب.
3. الساعة الثالثة: مرور المشيمة (Placenta Passage)
كما ذُكر سابقاً، يجب أن تتخلص الفرس من المشيمة بحلول الساعة الثالثة لتجنب المضاعفات.
4. العناية بالحبل السري (Umbilical Care)
الحبل السري هو بوابة مفتوحة للبكتيريا للدخول مباشرة إلى مجرى دم المهر، مما قد يسبب “تلوث السرة” (Omphalophlebitis) أو انتان المفاصل (Septic Arthritis).
- المادة المطهرة: الجدل القائم حول استخدام اليود تم حسمه في العديد من التوصيات الحديثة لصالح الكلورهيكسيدين (Chlorhexidine).
- الكلورهيكسيدين المخفف (1:4): يُعتبر الخيار الأفضل لأنه فعال ضد البكتيريا وأقل تهيجاً للأنسجة، وله تأثير متبقي أطول.
- محلول اليود المخفف: يمكن استخدامه، لكن يجب تجنب صبغة اليود القوية (Strong Iodine 7%) لأنها تسبب حروقاً كيميائية وتنخراً (Scalding) للأنسجة المحيطة، مما قد يزيد من قابلية المنطقة للعدوى.
- البروتوكول: غمس السرة (وليس المسح فقط) 2-3 مرات يومياً لمدة يومين أو حتى تجف تماماً.
5. تقييم انتقال المناعة السلبي (IgG Testing)
بسبب نوع المشيمة (Epitheliochorial)، لا تنتقل الأجسام المضادة من الفرس للمهر أثناء الحمل. يعتمد المهر كلياً على امتصاص الغلوبيولينات المناعية (IgG) من اللبأ خلال الـ 12-24 ساعة الأولى عبر الأمعاء الدقيقة. بعد 24 ساعة، تنغلق الخلايا المعوية وتتوقف عن الامتصاص.
- الفحص: يجب إجراء فحص دم للمهر (مثل اختبار SNAP ELISA أو Zinc Sulfate Turbidity) بعد 12-24 ساعة من الولادة لتقييم مستوى IgG.
- تفسير النتائج:
- 800 ملجم/ديسيلتر: انتقال مناعي كافٍ (Adequate Transfer).
- 400 – 800 ملجم/ديسيلتر: فشل جزئي (Partial Failure) – يتطلب مراقبة وربما علاجاً وقائياً.
- < 400 ملجم/ديسيلتر: فشل كلي (Failure of Passive Transfer – FPT).
- < 200 ملجم/ديسيلتر: فشل كامل وحرج.
- العلاج: في حالات الفشل (خاصة إذا فات أوان الامتصاص المعوي أي بعد 24 ساعة)، يكون العلاج الوحيد هو نقل بلازما غنية بالأجسام المضادة عبر الوريد لحماية المهر من التسمم الدموي (Sepsis).
6. انحشار العقي (Meconium Impaction)
العقي هو البراز الأول للمهر (مادة داكنة لزجة). يجب أن يخرج خلال الساعات الأولى. الانحشار هو السبب الأكثر شيوعاً للمغص في المواليد، خاصة الذكور (بسبب ضيق الحوض لديهم).
- الأعراض: الشد المستمر للتبرز (Straining)، رفع الذيل وتقويسه، التدحرج، والمغص.
- العلاج: يُستخدم الحقن الشرجية (Enemas) كخط أول للعلاج.
- أنواع الحقن: حقن الفوسفات التجارية (Fleet Enema) فعالة لكن يجب استخدامها بحذر لتجنب تهيج المستقيم. حقن الماء والصابون الدافئ أو حقن الأسيتيل سيستين (Acetylcysteine – Retention Enema) تُستخدم للحالات المستعصية لتكسير الروابط المخاطية في العقي.
الفصل السادس: التغذية والنمو في مرحلة الرضاعة
1. تغذية الفرس المرضع: قمة الطلب الأيضي
تصل متطلبات الفرس الغذائية إلى ذروتها خلال فترة الرضاعة (خاصة الأشهر 1-3)، حيث تحتاج لإنتاج كميات ضخمة من الحليب (تصل إلى 3% من وزن جسمها يومياً).
- الطاقة والبروتين: تزيد احتياجات الطاقة بنسبة تصل إلى 84% واحتياجات البروتين بنسبة 232% مقارنة بوضع الإدامة. يجب زيادة كميات العلف المركز تدريجياً، وتوفير علف خشن (مثل البرسيم الحجازي Alfalfa) عالي الجودة بشكل مفتوح.
- إدارة الوزن: الفشل في تلبية هذه الاحتياجات ضمن خطة رعاية الفرس الحامل سيؤدي إلى فقدان الفرس لوزنها بسرعة، مما يقلل من جودة الحليب ويؤخر الحمل التالي. إضافة الدهون والزيوت للنظام الغذائي طريقة فعالة لزيادة السعرات دون زيادة النشويات الخطرة.
2. التغذية التكميلية للمهر (Creep Feeding)
رغم أن حليب الأم هو الغذاء الأساسي، إلا أنه بحلول الشهر الثالث، تصبح احتياجات المهر الغذائية أكبر مما يوفره الحليب وحده، خاصة من حيث المعادن والبروتين.
- المفهوم: تقديم علف مركز خاص بالأمهار في منطقة معزولة (Creep Feeder) تسمح بدخول المهر وتمنع دخول الفرس.
- الفوائد:
- سد الفجوة الغذائية: توفير معادن النحاس والزنك والكالسيوم الضرورية للوقاية من أمراض العظام التطورية (DOD).
- تسهيل الفطام: تعويد الجهاز الهضمي للمهر على هضم الحبوب والألياف يقلل من الصدمة الغذائية والنفسية عند الفطام، ويمنع توقف النمو (Growth Slump) بعد الفصل عن الأم.
- المواصفات: يجب أن يحتوي العلف على 14-16% بروتين عالي الجودة، مع توازن دقيق بين الكالسيوم والفوسفور (نسبة 0.8% Ca و 0.5% P).
الفصل السابع: استراتيجيات الفطام وإدارة التوتر
الفطام (Weaning) هو أحد أكثر الأحداث إجهاداً في حياة الحصان الفتي، حيث يجتمع الانفصال العاطفي عن الأم مع التغير الغذائي الكامل. يتم عادة بين عمر 4 و 6 أشهر.
1. طرق الفطام: مقارنة بين التدريجي والمفاجئ
تؤكد الدراسات السلوكية والهرمونية (قياس الكورتيزول) أن طريقة الفطام تؤثر بشكل مباشر على رفاهية المهر.
- الفطام المفاجئ (Abrupt Separation): يتضمن الفصل الكلي والفوري (بصرياً وسمعياً). هذه الطريقة تسبب أعلى مستويات التوتر، وتزيد من خطر الإصابات بسبب محاولات الهرب، وتؤدي إلى سلوكيات نمطية سيئة (Stereotypies) وتراجع في المناعة.
- الفطام التدريجي (Gradual/Interval Weaning): يُعتبر الأفضل للرفاهية. يتضمن السماح للمهر برؤية ولمس أمه عبر سياج آمن لبضعة أيام قبل الفصل الكلي، أو إزالة الأمهات واحدة تلو الأخرى من قطيع الأمهار (Pasture Weaning). أظهرت الأبحاث أن الأمهار المفطومة تدريجياً تظهر مستويات كورتيزول أقل، وتأكل بشكل أفضل، وتظهر سلوكيات قلق أقل (صهيل وركض أقل) مقارنة بالفطام المفاجئ.
2. الإدارة لتقليل التوتر
- التغذية المسبقة: كما ذُكر، التغذية التكميلية قبل الفطام بأسابيع تقلل التوتر الغذائي.
- الرفقة: فطام الأمهار في أزواج أو مجموعات يقلل من الشعور بالوحدة. وجود “حصان مربي” (Nanny Horse) هادئ وبالغ مع الأمهار المفطومة يساعد في تهدئتها وتعليمها السلوك الاجتماعي السليم.
الخاتمة
إن رعاية الفرس الحامل والمهر الوليد ليست مجرد مهمة روتينية، بل هي استثمار طويل الأجل في الصحة والقدرة التنافسية للجيل القادم من الخيول. من خلال الفهم العميق لفسيولوجيا الثلث الأخير من الحمل، وتطبيق بروتوكولات التحصين الدقيقة (خاصة ضد EHV-1)، والاستعداد اليقظ للحظات الولادة الحرجة، يمكن للمربين تقليل المخاطر بشكل كبير. إن الالتزام بمعايير رعاية الفرس الحامل الحديثة—مثل اختبار IgG، والعناية بالسرة بالكلورهيكسيدين، والتغذية التكميلية المدروسة، والفطام التدريجي—يشكل الفارق الجوهري بين إنتاج خيول عادية وخيول تتمتع بأعلى درجات الصحة والمناعة والأداء.
جدول 4: ملخص الإجراءات الوقائية والإدارية حسب المرحلة الزمنية
| المرحلة الزمنية | الإجراء الرئيسي | الملاحظات والتحذيرات |
| الشهر 5، 7، 9 من الحمل | لقاح EHV-1 (للإجهاض) | استخدام لقاحات Pneumabort-K أو Prodigy حصراً |
| الشهر 10 (قبل الولادة بـ 4-6 أسابيع) | لقاحات معززة (كزاز، إنفلونزا، روتا) | لرفع مستوى الأجسام المضادة في اللبأ |
| قبل الولادة بـ 2-4 أسابيع | فتح ملف المراقبة (اختبار الكالسيوم) | >200 ppm يعني الولادة خلال 24 ساعة |
| أثناء الولادة | مراقبة “الكيس الأحمر” | شق الكيس فوراً إذا ظهر باللون الأحمر المخملي |
| الساعة 1-3 بعد الولادة | قاعدة 1-2-3 | الوقوف (1)، الرضاعة (2)، المشيمة (3) |
| 12-24 ساعة بعد الولادة | اختبار IgG | الهدف >800 ملجم/ديسيلتر، التدخل بالبلازما عند الفشل |
| الشهر 1-2 من العمر | بدء التغذية التكميلية (Creep Feeding) | لدعم النمو وتقليل توتر الفطام لاحقاً |




